انشغل الناس الأسبوع الماضي بموضوع مسلسل ظهرت فيه ألفاظ بذيئة ومشهد لممثلة تخلع ملابسها الداخلية وعلاقات رجال ونساء وغيره، الأغلب استنكروا ما حدث، والبعض دافعوا عنه.
كثير من الذين أنكروا ذلك استغربوا مدى قبح المشاهد والكلمات. وأنا أسأل لماذا يستغربون؟
أصل الإشكال يكمن في أن الناس لا يريدون اتخاذ موقف واضح وصريح من الإنتاج الدرامي العربي، وأنه لا يأتي بخير أو يفيد بشيء، بل بالعكس يضر، على الرغم من أنه من المفترض أن يفيد. هذه الحقيقة نفعل لها إنكارا داخليا في ذهننا على اعتبار أن كل مرة ننتظر الجديد من الدراما كفائدة ثقافية أو أخلاقية أو اجتماعية أو في أضعف الأمور دينية، وأن هناك سعي “للفن النظيف”، لكن الفائدة لا تأتي أبدا، فيكون إرضاء النفس بأنها فائدة ترفيهية فقط.
هل وجدتم شخصا تغيرت حياته من زاوية ثقافية أو أخلاقية أو دينية أو اجتماعية أو أي زاوية بسبب أنه يشاهد أفلاما درامية كثيرة؟ الإجابة الواضحة: لا، بل على العكس كانت هناك خلخلة اجتماعية ودينية وأخلاقية كضريبة لتلك المشاهدة.
هل ننتظر تأثيرا إيجابيا من زاوية دينية؟
سأنقل لكم كلاما لشخص مستقل فكريا، غير محسوب على أي تيار فكري أو سياسي أو ديني، وهو أ. عمر طاهر، يقول في كتابه الساخر “ابن عبد الحميد الترزي” صـ 83:
“لم تجعلني الأفلام الدينية التي شاهدتها في طفولتي أتعاطف مع الإسلام، كنت معجبا بالكفار وأراهم يعيشون حياة ممتلئة باللهو والنساء والجواري (المكلبظة) اللاتي يرقصن بملابس شفافة… في المقابل كانت أحوال المسلمين في هذه الأفلام بائسة للغاية، ضُربوا وعُذبوا، حُرموا من الماء والطعام، طُردوا من بيتهم فسكنوا العراء، وصودر كل ما يمتلكونه فأصبحوا فقراء، وصدرت الأوامر بإعدامهم دون محاكمة”.
هل ننتظر تأثيرا ايجابيا من زاوية اجتماعية؟ يقول عمر طاهرصـ 64:
“تتميز هذه الفترة (الثمانينات) بسيطرة المرأة على الشاشة شكلا ومضمونا، كانت السيطرة مزدوجة طرفاها نادية الجندي ونبيلة عبيد حيث تم تقسيم الأمور بينهما بالعدل …….وفي كل الأحوال دانت للاثنتين سيطرة مطلقة على الرجال المشاركين في أفلامهما سواء بالإغواء أو بالانتقام العنيف، وكانت النتيجة المنطقية لاستبدادهما أن خرج هذا الجبروت من الشاشة إلى المجتمع فطهر في نهاية الثمانينات مسلسل قتل الزوجات للأزواج.”
هل ننتظر تأثيرا ايجابيا من زاوية أخلاقية؟ يقول نفس الكاتب في فصل كامل سماه: كيف تعرف أن الإغراء في سياق الدراما؟
“يبدأ الإغراء في مصر من اسم الفيلم، يصاب المشاهد بالهياج إذا رأى اسم الفيلم يحتوي على كلمة من هذه الكلمات (امرأة، الجسد، الشيطان، عارية، …)…. ويزيد الهياج إذا كان الأفيش مزينا بجملة (للكبار فقط).
كانت الجرأة المبالغ فيها هي سمة الفترة (السبعينات) وكان العري أقل ما قدمته السينما حيث كانت كانت المشاهد الجنسية الصريحة أكبر دليلا على أن مصر تعيش قس عصر (الانفتاح)”.
ما مدى تأثير الدراما على ثقافتنا؟ يضرب الكاتب لذلك أمثلة كثيرة في فصل سماه: كيف تعرف أن كاتب الفيلم سيناريست مصري؟
“- عندما تكون نظرته للشخصيات الثانوية في المجتمع ثابتة لا تتغير، فالمومس مدخنة بالطبع …. والمأذون لا يتحدث إلا بالعربية الفصحى (وأين العروس؟) فصحى كومييدية تجعله دائما (نصف عبيط).
– عندما يفقد البطل صوابه ويصاب بالسعار الجنسي عندما يرى الشغالة (وهي بتمسح الأرض أو بتمسح قدام الشقة)، أو عندما يراها نائمة على بطنها وقد انزلق الغطاء من عليها وارتفع فستانها إلى منتصف جسدها….”
وأضيف للأمثلة: هل رأيتم في الدراما شابا متدينا ناجحا خلوقا كمثل يحتذى به؟ التدين في الدراما خاص بكبار السن فقط عند بلوغ السبعين فتجده يصلي أو يذهب إلى المسجد بينما الشاب إذا كان متدينا فلابد أن يكون تابعا لجماعة دينية متشددة أو إرهابية، أو في حالات نادرة لجنود يصلون قبل الاستشهاد في الحرب.
الجامعة ليست مكانا للعلم فقط، بل هي ملتقى الشباب والبنات وقصص التعارف والغرام.
الراقصة مهما كان فعلها مشينا، فهي باستمرار “جدعة وأرجل من الرجالة” خاصة “الصبي بتاعها” الذي ليس لديه أي ملامح رجولة.
هذه أنماط فكرية تربت في الأذهان بسبب الدراما، والنتيجة كما يذكرها الكاتب وكما هو مشاهد في واقعنا تأثير سلبي بالغ على المستوى الاجتماعي والأخلاقي والديني والثقافي.
لا تنتظروا “سينما نظيفة” أو فنا هادفا، وإن حدث فهو قطرة في بحر. خذوا موقفا واضحا من ذلك. سيحدث كل فترة وأخرى مشاهد وألفاظ خارجة بدعوى “أنه انعكاس للواقع” وكأن الشر أصبح هو الواقع لوحده ولا يوجد خير في الواقع.
سيأتي مهرجان القاهرة والجونة السينمائي القادم وستجد عناوين أخبار فيها: أجرأ إطلالات للفنانات، شاهد قبل الحذف ما ظهر من جسم فلانة، فلان يقبل زوجته على السجادة الحمراء، الخ. لا تتعجب، ولكن انكرها داخلك وخارجك.
سيأتي يوم – بكل أسف – تصبح المشاهد “الساخنة جدا” أو لنقل الجنسية منقولة على الشاشات بدعوى أنها تنقل الواقع، وفي إحدى دول الخليج بدأ السماح بعرض أفلام بمناظر فاضحة في السينمات العامة مع وضع تحذير أنه +21، وسيتبعها غيرها من الدول، لكن قبل ذلك يحدث مراحل لجس نبض المجتمع والقانون في هذه الدول.
خذ موقفا وكن صريحا مع نفسك، وفي المثل العامي: الحداية مابتحدفش كتاكيت.