لو فتّشنا داخل النفس الإنسانية لوجدنا مجموعة كبيرة من الاحتياجات والرغبات والشهوات والدوافع والموانع والحواجز والأفكار والمشاعر. الاحتياجات تظل هي العنصر المحرك للإنسان، فهو يتحرك ليشبع احتياجه من الاكل او الشرب او غيره بقدر ضغط هذا الاحتياج عليه واستطاعة الإنسان على مقاومته او استجابته له.
عالم النفس ماسلو ابتكر ما يسمى بهرم الاحتياجات. وقسمه الى 5 مستويات: الاحتياجات الفسيولوجية كالأكل والشرب، احتياجات الأمان، احتياج الحب والانتماء، الاحتياج لتقدير الذات، الاحتياج لتحقيق الذات.
لماذا الشكل هرمي؟ ولماذا هو مستويات؟ هنا كان إبداع ماسلو
الهرم من مواصفاته ان قاعدته عريضة بينما قمته صغيرة، وهذا لأن الاحتياجات في المستوى الأول يشترك فيها عدد كبير جدا يشمل كل البشر بل والكائنات الأخرى أيضا. بينما الاحتياجات الأخرى وجودها أقل من التي قبلها فيقل عرض الهرم الى أن نصل لقمته. ويتميز الهرم انه مستويات فلا يمكن أن تصل للأعلى إلا إذا انتهيت من الذي قبله.
المستوى الأول من الاحتياجات هي الاحتياجات الفسيولوجية كالأكل والشرب، فلو لم تتوفر هذه الاحتياجات فسيصبح هناك خوف على النفس من الموت. في المستوى الثاني وهو احتياج الأمان يقل الطلب عليه قليلا فتخرج بعض الكائنات الأخرى من هذا المستوى، كذلك يخرج منه من البشر المشردون بسبب الحروب أو الفقر أو من فقدوا أسرهم الخ.
نفهم من هذا أنه لا يمكن ان يبحث الشخص عن الاحتياج الثالث وهو الحب بينما هو لا يشعر بالأمان أو أنه في احتياج للاكل والشرب.
الاحتياج الثالث وهو احتياج الحب والانتماء يظهر في الغالبية العظمى للبشر الذين وفروا لأنفسهم الاحتياجات الأساسية للجسد كالأكل والشرب والأمان في البيت.
نحتاج الحب لنغذي النفس كما غذينا الجسد.
نحتاج الحب لأن الانسان كائن اجتماعي بطبعه فيطلب ان يهتم بالناس كما يطلب الاهتمام من الآخرين، ولذلك يكون صعبا أن يعيش الإنسان بمفرده.
نحتاج الحب لان بدونه لا نغذي احتياجنا النفسي، ونشعر بعدم الاهتمام من الآخرين، فينتج هذا ضعفا في ثقتنا بأنفسنا وفنبتعد أكثر ويظل الاحتياج مؤلما بداخلنا.
نحتاج الحب حتى نرتقي في سلم الاحتياجات لنصل لتقدير الذات من الثقة بالنفس والاهتمام بالآخرين.
من أشهر الأمثلة في نتيجة تلبية احتياج الحب وكيف يغير الحب في حياة الإنسان القصيدة المشهورة لنزار ومنها
قولي احبك كي تزيد وسامتي …. فبغير حبكِ لا اكون جميلا
قولي احبك كي تصير اصابعي … ذهبا وتصبح جبهتي قنديلا
قولي أحبك كي يتم تحولي …. فأصير قمحا أو أصير نخيلا
ملك أنا لو تصبحين حبيبتي … أغزو الشموس مراكبا وخيولا
تظل قمة الهرم هي أصغر جزء لذلك لا يكون فيها الا قدرا قليلا من البشر وهم المبدعون والقادة والملهمون الذي يكتسبون مكانة اجتماعية تجعلهم متميزون عن غيرهم ولهم من يتبعوهم وينقادوا بهم.
====
*فائدة لطيفة تخص الموضوع، الاحتياجان الأولان هو مما ذكره الله في القرآن من امتنانه على عباده بالأمن والرزق (فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). و(وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون). و (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخاوفون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) و( …. لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون…) و (….أولم نمكن لهم حرما آمنا تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا….) وغيرها الكثير.
ومنه أيضا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها.
أما احتياج الحب فنسبه الله في القرآن لنفسه في أماكن كثيرة ليكون هو الذي يحب بعض بني البشر: إن الله يحب المتقين، المحسنين، التوابين، المتطهرين، ……) وهذا من أعلى العطاء لهذا الاحتياج البشري. ولذلك كان من أشد العقاب الإلهي ذِكر أنه لا يحب الكافرين، المعتدين، المستكبرين،……
وذكر الله الحب أيضا بين البشر (…وجعل بينكم مودة ورحمة…) ، (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم …).
=======
فائدة لطيفة أخرى
وهو الفرق بين الإعلام في العالم العربي والغربي بشكل عام.
الإعلام في العالم العربي يلعب دائما على مستوى الثاني من الاحتياجات (الأمان) فيظهر كيف ان الأمان محقق بفضل الخطط السياسية، وإذا حدثت أزمة في بلد ما يكون الضغط الإعلامي على التخويف من فقد هذا الأمان فلا يركز المجتمع على تلبية احتياجات أعلى وأسمى وتحقيق أهداف أخرى من الدولة حتى لا نفقد إحساسنا بالأمان، فيظل المجتمع العربي مكتفيا بإشباع المستوى الأول والثاني فقط ولو نظر لما هو أعلى يتم التلويح بأنكم مهددون بفقد الأمان.
في الإعلام الغربي بشكل عام لا يركز على المستوى الثاني بل المستوى الخامس، لأن المستويات السابقة كلها محققة وليس هناك أدنى احتمال من فقد ما يغذي هذه الاحتياجات. فيبقى الضغط على ادخال مجموعات أكبر في المستوى الخامس ، الأمر الذي سيجعلهم يقودون شعوبا أخرى لا يتوفر لديهم قادة ومبدعون في هذا المستوى.
=====
#الحب
#النفس
Add a Comment