shutterstock_328569497

علاقة العلاج الديني بالعلاج النفسي

التعليقات التي كُتبت على الرسائل الشخصية التي نشرتها الأسبوع الماضي أظهرت إشكالا أساسيا عند البعض، وهو اعتبار أن المعاناة النفسية كلها واحدة وأنها ترجع إلى أصل واحد وهو البعد عن الله، وبالتالي فيكون الحل واحدا ساعتها وهو القرب من الله.

ولفك هذا الإشكال فينبغي أن نقسم المعاناة النفسية إلى ثلاثة أقسام، وكل قسم له علاجه.

1- أمراض النفس: وهي كثيرة ومنها الضلال والكبر والغرور والحقد والشك والنفاق وغيرها، وعلاجها يكون بزيادة الإيمان والقرب من الله والعلم في المقام الأول، وينفع جدا في الوقاية منها الإيمان الحقيقي، ومن بعضها التربية الحسنة، واقتران العلم النافع بالعمل الصالح.

2- مشاكل إيذاء النفس (وتسمى خطأ بالمرض الروحي): مثل الحسد والسحر، وعلاجه معروف بالقرآن والرقية الشرعية. ويقي منها بإذن الله الالتزام بقراءة القرآن والأوراد اليومية.

3- الأمراض النفسية الطبية: وهي تزيد عن الخمسين مرضا، مثل الفصام والاكتئاب والقلق والوسواس والإدمان والتوحد وفرط الحركة والألزهامير واضطرابات الشخصية وغيرها. والعلاج الأساسي لها هو العلاج الطبي.

وفي بعض هذه الأمراض يكون القرب من الله وزيادة الإيمان مفيدا في العلاج مثل مرض الاكتئاب – حيث يطلب من المكتئب زيادة النشاط الديني بجانب النشاط العلمي والعملي والاجتماعي وغيره، ومثل مرض القلق من زيادة الإيمان بقضاء الله وقدره، وكذلك الإدمان وبعض اضطرابات الشخصية.

في المقابل هناك أمراض نفسية يكون العلاج الطبي فقط هو العلاج المطلوب وحده مثل أمراض الفصام وثنائي القطب والتوحد وفرط الحركة والألزهايمر وغيره.

وعلى صعيد آخر فهناك بعض الأمراض تزيد نسبة حدوثها عند المتدينيين أو الملتزمين دينيا (بسبب زيادة لوم النفس عن الطبيعي) مثل الوسواس القهري والشخصية الوسواسية.

تبقى بعض النقاط للتوضيح:

– إذا قلنا أن العلاج لبعض الأمراض يشمل القرب من الله وزيادة الإيمان، فليس من الصحيح اتهام المريض بأنه ضعيف الإيمان أو بعيد عن الله.

– الأطباء النفسيون مثلهم مثل غيرهم من عامة الناس يؤمنون بالسحر والحسد وأثره على الإنسان، ويمكن أن ينكره البعض (أو ينكر أثره) مثل بعض المسلمين.

– قراءة القرآن – والتي هي من أهم العبادات – والتي يتم قراءته من المريض أو للمريض طلبا للشفاء نافعة لسببين: 1- ببركة كلام الله (وفيه حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين عن قراءة النبي صلي الله عليه وسلم للمعوذات رجاء بركتها)، 2- توسلا لله لطلب الشفاء بزيادة العبادة. وهذا يشمل كل الأمراض الطبية النفسية وغير النفسية، فحصر ذلك للأمراض النفسية باعتباره شفاء لها غير صحيح.

وهذا التوضيح يشمل الاستدلال بالآية (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) وآية (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين)، وإن كان كثير من المفسرين فسر الشفاء هنا بأمراض النفس المذكورة في رقم 1 فقط، والمتأخرين منهم فسروا الشفاء بالقسم الأول والأمراض الطبية بشكل عام. فاستدلال البعض على أن الشفاء المذكور هو العلاج للأمراض النفسية الطبية غير دقيق ويحتاج لهذا التفصيل.

– يظل إشكال بين الأطباء النفسيين وعامة الناس والشيوخ أن الأطباء النفسيين يرون أن أغلب المشكلات الحاصلة عند الناس لها أسباب ودوافع نفسية لكن عامة الناس يرونها بسبب السحر والحسد وأعمال الجن. والفريق الأول (الأطباء وأنا منهم) لديهم أدلة على كلامهم بينما لا يمتلك الفريق الآخر دليلا على كلامهم سوى العمومات والتي لا تدل على أن أغلب مشاكل الناس للسبب الذي يتبنوه.

– لا داعي للتأكيد على أن القرب من الله هو أمر محمود ومفيد لكل الناس من يعاني منهم ومن لا يعاني، فهذا أمرٌ منتهٍ.

Tags: No tags

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *