في زمن يشكو فيه الكثير من الناس صعوبة الحوار مع الآخر (والدين – أبناء – زوج – زوجة – زملاء عمل….)، فبالبحث في هذه الشكاوى تجد أن أسبابها كثيرة جدا، من أهمها دافع الداخلي للدفاع عن النفس (وهو موضوع كبيرلا مجال لتناوله الآن)، وثانيها رفض المعلومة الصادرة من الآخر بدافع عدم التنازل عن الرأي أو عدم تقبل الفكرة نفسها لغرابتها مثلا أو لكونها تواجه معتقدا راسخا عند المتلقي يصعب التنازل عنه، أو غيره من الأسباب.
أقول ذلك بعد قراءة ودراسة الردود التي أتت على المقال السابق الخاص بموضوع سرقة وتجارة الأعضاء البشرية، ويمكن الاستفادة من هذه الردود في فهم سيكولوجية رفض المعلومة المقدمة.
(مبدئيا وقبل أن أخوض في الموضوع، فليس عندي أدنى خجل أو حرج في القول إني أخطأت في رأي معين طالما ظهر لي خطأه من متخصص في موضوع ما. ولست ممن يجادل لإثبات صحة كلامه، من وافق على الكلام يتقبله ومن يعترض عليه فله الحرية في ذلك).
السؤال أولا: هل هناك من اعترض على المقال من المتخصصين؟ يعني أطباء أو في مجال زراعة الأعضاء أو حتى شخص وقع بنفسه ضحية لمسألة الخطف و”سرقة” أعضائه؟
الإجابة: لا لم يحدث، بل على العكس، قرأت تعليقان من طبيبة كلى وطبيبة تخدير مؤيدتان للمقال. إذن فالرفض هنا من أشخاص خارج مجال علم الطب، وهذا كفيل ألا أدخل في نقاش علمي يخص نقل الأعضاء، وأركز كلامي على سيكولوجية رفض المعلومة، ونأخذ التعليقات في المقال السابق كعينة عشوائية Random sample للشرح.
طرق الرفض تكون من خلال:
١- اتهام المتحدث في عقله ووعيه وإدراكه، من مثل كلمات: “انت عايش معانا في مصر؟، انت مصدق نفسك؟، انت بتشتغل نفسك، كلام مايدخلش عقل عيل صغير، انت طيب قوي…….
أسهل طريقة لمصادرة المعلومة اتهام من يختلف مع ما تعتقده في عقله، تهمة سهلة لا تكلفك شيئا، ولا حتى عناء التفكير في إمكانية أن تكون الفكرة التي لديك خطأ.
٢- الدخول في النوايا: واخد كام علشان تقول الكلمتين دول……
٣- الاتهام بالجهل أو عدم العلم: انت أصلك مش عارف، روح المكان الفلاني حتلاقي هناك سرقة أعضاء !، ايه دليلك (مع ان البينة على المثبت وليس النافي) …..
٤- السخرية: طيب حنقول للمخطوف تعالى امضي هههه، الكلام الأهبل ده….
٥- الخروج بحلول متصورة (أو بالأصح متوهمة): ممكن العمليات ده تتعمل تحت بير السلم !! أو هم عندهم ثلاجات بيحفظوا فيها الأعضاء لغاية ما ييجي زبونها!!.
وهذا غير صحيح مطلقا، فعملية النقل لابد أن تكون خلال ساعة من نزعها من المتبرع. والرد الأسهل: لو تعرفوا أماكن الثلاجات ده قولوا لنا نقول للمرضى المحتاجين ومش لاقيين
يقال في المثل المصري: اللي مايعرفش يقول عدس، وفي الحكمة القديمة: لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف.
لماذا لا يتم النقاش بمنطقية أو عن علم؟ كل الأخبار تأتي: سمعت عن كذا وواحد قال لي كذا وواحدة أعرفها قالت كذا….. يعني لا متخصص في العلم ولا حتى مشاهدة على الحقيقة بنفسك؟ كلها أقاويل وأخبار مرسلة، وأنتم تعلمون أن أي خبر يحدث يضاف عليه كمية لا بأس بها من التهويل والزيادات التي لا أصل لها، وما آفة الأخبار إلا رواتها.
====
بالمناسبة (وأنا أتحدث عن هنا سيكولوجية رفض المعلومة) ال 5 عناصر التي ذكرتها وردت في القرآن والسنة؛ من أمثلتها بالترتيب: “…ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون”، “إن كنت تريد ملكا ملكناك”، “إنا لنراك في سفاهة وإنا لظنك من الكاذبين”، “… وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه”، “نعبد إلهك سنة وتعبد إلهنا سنة”.
ملحوظة أخرى: ليس سهلا أن تسبح ضد التيار، لكنه مطلوب في أحيان كثيرة. ومن يفعل ذلك عليه أ ن ينشغل بما يراه حقا لا بأن ينشغل مع ما يتماشى مع الأهواء أو “التريندنج”.
ملحوظة ثالثة مأخوذة من كون أن أغلب الذين علقوا بالرفض على المقال من الجنس الناعم: أحيانا يكون التخلص من الفكرة المقلقة أو المزعجة أصعب من الاستمرار في الحياة مع القلق! يعني كثيرا ما أسمع تعليق من أم عندها قلق زائد على الأبناء: هو أنا المفروض ماقلقش؟، الإجابة لا، اقلقي بالمعقول لما يكون في سبب حقيقي (مش وهمي) للقلق. ومعنى ذلك أن هناك من يعاني من القلق ولا يتصور الحياة بدونه!
ملحوظة رابعة: حتى يكون الحوار فعالا بين الطرفين ينبغي أن يكون :
١- منطقيا.
٢- بهدوء أعصاب.
٣- بدون اتهامات للآخر.
٤- عدم الخوف من تصور كل طرف أنه قد يكون مخطئا، ويفكر في خطئه أولا ثم أولا ثم أولا قبل أن يفكر في خطأ الآخر.
Add a Comment