منذ يومين كان هناك شاب عشريني وهو ابن رجل أعمال ثري يقود سيارة فارهة (تتخطى ال 3 ملايين جنيه) بسرعة عالية فصدم سيارة أخرى فيها 4 شباب فماتوا الأربعة ونجا هو، وهناك شبهة قوية بأنه كان في حالة سُكر أثناء القيادة.
منذ حوالي 3 شهور كان هناك فتى وهو ابن رجل أعمال أيضا يقود سيارته الفارهة محاولا الوصول للسرعة القصوى للسيارة فانقلبت السيارة وتوفى في الحال.
ليست الفكرة في منح الأبناء أشياء ثمينة جدا مقتصرا على الأثرياء فقط، لكنه أيضا موجود في كل طبقات المجتمع. فعلى مستوى مادي أقل تجد أحد الأبوين يقول: “احنا بنجيب له كل اللي هو عاوزه، ده معاه أغلى وأحدث موبايل”، “طلب عربية وجبناها له بالقسط”، وفي على مستوى آخر: “طلب موتوسيكل (مكنة) حوشنا وجبناها له”.
الإشكال هنا يقع في أكثر من نقطة:
1- “إحنا عاوزين نجيب له أحسن حاجة علشان مايحسش انه أقل من الناس التانيين”، وهنا أكثر من مشكلة أولها المقارنة عند الأهل بين ابنهم والآخرين، وكذلك انقيادهم للمقارنة التي تحدث عنده من أنه يريد أن يكون مثل الآخرين، وهذا ممكن أحيانا لكن في أغلب حياتنا غير ممكن لأن ما عند الآخرين لا شك أنه أكثر بكثير مما لدينا. والمشكلة الأكبر هو عدم تعليم الأبناء القناعة بما لديهم وأن الأرزاق مختلفة ومتنوعة، والأهم هو تعلم الرضا بما لدينا دون التطلع إلى ما عند الآخرين.
أذكر مرة جاءتني أم بابنتها في الابتدائي تشتكي من بعض السلوكيات لديها وفي كلامها ذكرت أن البنت تذهب إلى المدرسة بالهاتف محمول، فسألتها: ” وهي ليه تاخد الموبايل وهي رايحة المدرسة” فأجابت: “يعني هي تروح المدرسة تلاقي البنات معاها محمول وهي لا؟!”.
2- “احنا بنجيب له كل اللي بيطلبه علشان مايبقاش نفسه في حاجة”، والسؤال: إذاً متى يتعلم الأبناء الصبر على ما يطلبونه ولا يمكن الحصول عليه؟، ولذلك لا نستغرب العصبية الموجودة في أثناء طلبات الأبناء وعدم صبرهم، بل يصل الأمر أحيانا للهجوم السيء على الأبوين “انتم شغلتكم تجيبوا لي”.
3- “احنا بنجيب له أغلى حاجة”، ولماذا لا يقال للابن سنحضر لك ما هو نافع لك ومفيد ومناسب بمادياتنا دون أن نُحرج من مستوانا المادي. التربية على الرضا بما لدينا هام جدا “ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض”.
4- هناك 3 أنواع لمَنح الأبناء ما يحتاجونه أو يطلبونه:
الأول ما يحتاجون إليه إلزاميا لحياتهم مثل الأكل والشرب واللبس والتعليم …الخ، ولا يصح المنّ به على الأولاد أبدا، فلا يصح أن يقال: “ده أنا بأكلكم وأشربكم….” فهذا دور الأبوين الأساسي وهو يعلمون ذلك من قبل الزواج والذرية.
الثاني: ما يمنحه الآباء حبا في أولادهم دون مقابل مطلوب من الابن كالهدايا بأنواعها، وعادة لا تكون باهظة الثمن لكنها معبرة عن الحب وداعمة للرابطة الأبوية.
الثالث: ما يطلبه الأبناء ويوافق على إحضاره الآباء، والنصيحة أن يتم:
أ) التحدث مع الابن في قدرة الأبوين الشرائية على منح الابن ذلك، ويمكن التنزل في الطلب إذا كان سيمثل عبئا ماديا على الأسرة.
ومن حق الأبوين الاعتراض على الطلب إذا ظنوا أن هذا الطلب سيتسبب في مشكلة أكبر للابن مثل السيارات السريعة للشباب المتهور أو البلاي ستيشن لمن يعاني من إدمان للألعاب الالكترونية مثلا، ويمكن اقتراح بدائل لذلك.
ب) ربط الطلب بعمل مفيد مثل المحافظة على الصلاة والسلوك الحسن والدراسة …… ففي حالة إنجاز المهمة يمكن الحصول على ما تم الاتفاق عليه من الأول، ولا يتم الحصول عليه إلا بعد الإنجاز.
من أكبر الأخطاء هنا الرضوخ لكلمة الابن: “هاتوا لي الأول وأنا أعمل بعد كده”.
ملحوظة: تذكير الابن / البنت أن الأبوين يتعبون في تلبية طلباتهم ليس هذا من “الذل أو الإذلال” طالما كان بطريقة صحيحة، وإنما هو تذكير بأن الأبوين ينتظرون الشكر “الحقيقي” على تعبهم مع تحسين التطلع من الأبوين لأن تكون المنحة مغيرة حياة الابن للأفضل وليس العكس. وهو أيضا محاولة لإشعار الابن بقيمة ما لديه إذا كان لا يستخدمه استخداما خاطئا مثل ما في الأمثلة الأولى،
ومن الدارج في لساننا عندما نرى شابا يقود سيارته بشكل متهور أن نقول: “تلاقي أمه اللي جايباها له”، وهي معبرة عن ما ذكرته.
Add a Comment